من الشائعة إلى السلاح.. كيف تحوّلت روايات مضللة عن اللقاحات إلى تهديد للعلماء والمرضى؟

من الشائعة إلى السلاح.. كيف تحوّلت روايات مضللة عن اللقاحات إلى تهديد للعلماء والمرضى؟
حملات ضد اللقاحات - أرشيف

في هجوم مفجع قرب مقر مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في مدينة أتلانتا الأمريكية قتل ضابط شرطة وأصيب عددٌ من المباني والرّجال والنساء الذين يعملون في صف الرعاية والأبحاث، وبحسب تحقيقات أولية، ألقى المهاجم باللوم على لقاحات كوفيد-19 في تعرضه للاكتئاب وأفكار انتحارية، في ترجمة واضحة للمشاعر المبنية على معلومات مضللة استمرت سنوات وأدّت في هذه الحالة إلى عنف مميت.

وبحسب "أسوشيتد برس" فإن الحادث لا يندرج بوصفه فاجعة معزولة، بل مؤشّر على نقطة التحول الخطرة التي يمكن أن تصل إليها مسارات التضليل الصحي عندما تقترن بالاستقطاب النفسي والاجتماعي. 

أصبح اسم المشتبه به، باتريك جوزيف وايت، جزءًا من تحقيق معقّد يجريه جهاز إنفاذ القانون في جورجيا بعد أن فتحت الشرطة النار في الحادث الذي قتل فيه ضابط ديكالب ديفيد روز، بينما توفي المهاجم أيضاً في الموقع.

وبحسب تقارير وسائل الإعلام ووثائق شرطة مقاطعة ديكالب، حاول المهاجم دخول الحرم الجامعي قبل أن يهاجم بناء مقابل بعد أن توقفه الحراس، كما أشارت تصريحات عائلية وجيران إلى هوس متفاقم لدى المهاجم بشأن أضرار مزعومة للقاحات. 

معلومات مضللة

المعلومات المضللة عن اللقاحات لم تولد هذا الحادث بمفردها، لكنها خلقت أرضية نفسية واجتماعية خصبة، فقد لاحظت دراسات وتقارير رسمية أن الحملات الإلكترونية التي تروّج لمحتوى مضلل حول آثار اللقاحات تقوّي الشكوك وتزيد عزلة الأفراد في "غرف صدى" رقمية، وتؤدي أحياناً إلى مضايقات أو تهديدات للعاملين الصحيين.

كما وثقت مراجعات أن هذه الموجة من التضليل رافقتها هجمات واعتداءات على الملقحين والمطوّعين في حملات التطعيم في أماكن مثل باكستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث تسبّبت الشائعات في قتل موظفين صحيين وتعطيل برامج إنقاذ أرواح، وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية.

نقابات وقيادات صحية

اتحاد موظفي مراكز السيطرة والوقاية طالب الحكومة الفيدرالية بإدانة صريحة وواضحة لـ"معلومات مضللة حول اللقاحات" واعتبر أن خطاباً رسمياً حازماً من وزارة الصحة والإدارة الفيدرالية ضروري لدرء خطر استهداف العاملين والعلماء، كما طالبت النقابة بتعزيز الأمن وتأجيل إجبار الموظفين على العودة إلى أماكن العمل قبل تأمين المباني ومعالجتها نفسياً.

وفي المقابل انتقد مسؤولون سابقون في الصحة العامة، بمن فيهم جيروم آدامز، ردّ وزير الصحة الحالي بوصفه فاتراً ومتأخراً، محذّرين من أن خطاب القادة ذوي النفوذ الذي يقلّل من مصداقية اللقاحات يمكن أن يفاقم العداء تجاه المختصين بحسب مجلة "بوليتيكو". 

تخضع الأرقام العلمية للقياس، فالأدلة المتراكمة تشير إلى أن لقاحات كوفيد-19 وغيرُها من اللقاحات أنقذت ملايين الأرواح حول العالم، وتقلّصت بها أعداد الوفيات والمرض الشديد واضطرّت النظم الصحية لأن تتركز على حالات أقل حدة.

وتقدر دراسات تقدر أن حملات التطعيم العالمية منعت عشرات الملايين من الوفيات المحتملة في السنوات الأولى من الجائحة، وهذه الحقائق العلمية ليست مجرد أرقام نظرية، بل حجة عملية لماذا تكون تشويه سمعة الأبحاث والمنتجين والعلماء أمراً ذا تكلفة إنسانية فادحة. 

حرية التعبير وحدود المساءلة

في الولايات المتحدة، تحمي الأولويات الدستورية لحرية التعبير معظم أشكال الخطاب، بما في ذلك الخطأ أو الضلال، إلا إذا وصل الكلام إلى مستوى التحريض العاجل على فعل غير قانوني ومرجّح الحدوث، وفق معيار محكمة الولاية في قضية براندنبرغ، لذلك، رغم الإدانات الأخلاقية والسياسية.

ويواجه المجتمع تحديات قانونية في معاقبة من ينشر المعلومات المضللة إلا في حالات نادرة يثبت فيها تواطؤ واضح مع عنفٍ وشيك، ومع ذلك ثمة مسارات قانونية وإدارية أخرى منها تشديد عقوبات الاعتداء على العاملين الصحيين، وإجراءات أمنية في أماكن العمل، ومقاضاة من يروّجون لادعاءات مضللة إذا تبين أنهم فعلوا ذلك بقصدٍ الضرر أو الاحتيال، وفق المعهد القانوني للمعلومات.

العنف ضد منشآت البحث والمختبرات أو التهديد المستمر للعاملين يترك آثاراً تتعدى الحادث الفردي، وقد أوضح بحث علمي أن الخوف يثني الأفراد عن العمل في الصحة العامة، ويقلّل من مشاركة المجتمع في برامج التطعيم، ويؤدي إلى هجرة العقول، كما أن تآكل الثقة يزيد التكلفة الاقتصادية للطوارئ الصحية ويعيق الاستجابة المستقبلية للأوبئة، والسياسات التي تقلّل من دعم العلوم أو تموّل برامج بديلة على حساب البحث العلمي الأساسي قد تُضعِف جاهزية المجتمع لمخاطر قادمة. 

توصيات عملية عاجلة

توصي منظمات حقوقية بإعلان اتحادي واضح وصريح يدين التضليل ويفصل بين النقد القانوني-العلمي المشروع والتحريض العنيف، مع دعم واضح لحماية العاملين في الصحة، وتعزيز الأمن المادي والنفسي في مواقع البحوث والمستشفيات، وإعطاء الموظفين مهلة ومساندة قبل العودة إلى المباني المتضررة، وتنفيذ حملة وطنية منسقة لتصحيح المعلومات تشمل أفراد المجتمع ومؤسسات الدين والقيادات المحلية لمنع تفشي نظريات المؤامرة محلياً، ووضع استراتيجيات قانونية ومدنية لحماية الباحثين والعاملين، وربط التمويل والدعم العلمي بشرط حماية استقلالية البحث.

وتؤكد المنظمات أن القضية هنا ليست مجرد حادث أمني يعالج بالشرطة، إنها فشل مجتمعي في تمييز الحقائق من الخرافات، وفشل في حماية من يضحون بوقتهم وصحتهم لوقاية الآخرين. 

حماية العلماء والعاملين في الصحة تحفظ كرامة المجتمع وسلامة المرضى، وهي استثمار في حياة الناس لا يجوز أن يُترك فريسة للخطاب العنيف أو المعلومات المضللة.

تعد الهجمات والاعتداءات على العاملين في حملات التطعيم أو الاستجابة للأوبئة ليست ظاهرة جديدة، فقد شهدت باكستان موجات اغتيالات لموظفي تطعيم شلل الأطفال، وسبق أن تعرّض مستجيبون لإيبولا لهجمات في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث تسبّبت الشائعات والعنف في تعطيل حملات إنقاذ أرواح. 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية